العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. رهابي وأنا أقرأ بياني

يمنات

أحمد سيف حاشد

أشعر بالارتباك و الخجل .. أراقب صوتي فتضطرب نبراته و يختل سياقه .. أشعر أن سكان الأرض يراقبون صوتي المتهدج و المتلعثم، فيما أنفاسي تسابق بعضها و كأنها في سباق “ماراثوني” عظيم .. يعتريني التوتر الشديد حتى أشعر أن حبالي الصوتية تتمزق في مواجهة عاصفة لا تقوى على مقاومتها..

روحي المتعبة تبدو متهتكة تحت ضربات عيون من يراني أو يتابع حديثي و اضطرابي .. صوت نبضات قلبي ترتفع حتى أخال روحي تكاد تطلع من فمي .. ربما أيضا أتصبب عرقا مهما كان الطقس باردا .. و إجمالا أشعر أن إرباكا كبيرا قد أصابني بحجم زلزال ثمان درجات بمقياس رختر..

أخفقتُ في الحب مرارا بسبب طغيان خجلي و رهابي .. فقدتُ أكثر من حب في حياتي .. عشت الحب الناقص أشتوي على صفيح ساخن .. تفحمتُ بتكرار و أنا أصطلي بخيباتي .. تبخرت الكثير من أحلامي بسبب هذا الخجل و الرهاب اللذان نالا مني سنوات طوال .. و ربما أيضا أهدرتُ فرص عديدة كان بإمكانها أن تغيّر وجه حياتي .. صدمات و خيبات كثيرة ضربت أوتادها في أعماق روحي المدنفة .. أنشبت أظفارها في رأسي الذي أثقل كاهلي حتى وجدتُ نفسي أحيانا أسحبه بعدي بمشقة و صعوبة..

الخجل و الرهاب الاجتماعي مشكلة عميقة أعاني منها منذ الصغر .. اعاقه نفسية لطالما عانيت منها في حياتي، بل هي أكثر من إعاقة ألحقت بي كثيرا من الهزائم التي كان وقع بعضها شديدا على روحي و نفسيتي المُتعبة..

لطالما أحسست أنني معاق من رأسي إلى أخمص قدماي .. أشعر أن كل عضو و عصبة و عضلة في وجهي و أطرافي الأربعة تخذلني في أشد اللحظات التي أكون بحاجة لحوحة للثبات و التماسك .. أشعر باضطراب جهاز العصبي برمّته، بل أشعر بما يجتاح كياني و يملؤه اضطرابا، و أفشل على نحو ذريع في السيطرة عليه كقدر بات عصيا على المقاومة..

خليط من الخجل الشديد و الرهاب الاجتماعي الأشد لازال يداهمني و يتكرر معي بين حين و آخر قد يقصر أو يطول، أو يعاود الظهور بعد انقطاع و نسيان، و ربما أجده أحيانا لازال يتربص بي و أنا في هذا العمر المديد إلى درجة أخال الحقيقة كلها في قول فولتير: “الخجل هو شبح لا يمكن هزيمته”.

و للحقيقة أقول أن بعض الرهاب لا زال يداهمني إلى اليوم بسطوة و طغيان في بعض الأحيان .. لازال ذلك الأخدود عميقا في نفسي عندما عايرني بعضهم و منهم أحد رفاقي الذي شاهدني على شاشة التلفزيون حالما كنت في قاعة البرلمان أقرأ بيان رفضي و اعتراضي على تشكيل المجلس السياسي الأعلى في صنعاء لعدم دستوريته..

كنت أقرأ بياني على نحو عجول، و بنبرة صوت مضطربة، و أنفاس متقطعة تسابق بعضها، و رعشة يدي و أصابعي التي تمسك بالورقة التي أقرأ منها بياني المكتوب استشعرتُ أنها بائنة للعيان، فيما رعشة شديدة أخرى كانت تسري من أسفل القدمين إلى نصفي .. أعترف أنني فشلت في السيطرة عليها أو حتى في استمهالها رغم محاولاتي المتكررة .. كان يلاحظ حالتي من كان خلفي من النواب، أو قريبين من مكان وقوفي..

و رغم هذا وذاك لازلت أعتز أنني كنت صاحب البيان الوحيد، و الموقف الصارخ الحاضر في قاعة البرلمان و الرافض بشدة لشرعنة الغلبة، و تمرير ما رأيته خرقا فضا للدستور و القانون، و هو ما ينسجم أيضا مع ما يمليه ضميري في لحظة كانت شديدة الصعوبة و التعقيد..

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى